روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | ذكر الموت...يأس أم أمل؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > ذكر الموت...يأس أم أمل؟


  ذكر الموت...يأس أم أمل؟
     عدد مرات المشاهدة: 2398        عدد مرات الإرسال: 0

تنقبض الصدور من ذكر الموت، ويتأفأف الكثيرون من الحديث عنه، فهو يعني عند الغالبية العظمى من البشر النهاية...لذا فلا يجلب إلى قلوبهم إلا اليأس، ويدفع إلى خيالهم الظلام والوحشة وفراق الملذات والأحباب.

ولكن هل ذكر الموت يدفع فعلًا إلى اليأس؟..

وكيف يكون ذلك والله تعالى الذي حذرنا من اليأس هو الذي ذكر الموت كثيرًا في كتابه العزيز؟

لماذا يذكرنا الله تعالى بالموت، وهو الذي خلق الحياة لنعمل فيها؟

ذلك أن ذكر الموت لا يعني لدى المؤمن بلقاء ربه اليأس، ولا يدفع به إلى التراخي والإحباط بل يدفعه إلى العمل والنجاح، ولكنه يصحح مساره، فالإكثار من ذكر الموت –كما هي الوصية النبوية «أكثروا من ذكر هادم اللذات»- يشحذ الهمة، ويقوي العزيمة على الخير، ويمنح القلب بوصلة لا يتيه بها عن الصراط المستقيم.

¤ الموت لدى المؤمن:

القبر ليس المثوى الأخير، وإنما هو أول منازل الآخرة، ليس الموت نهاية للوجود الإنساني، ذلك ظن الذين كفروا، ظن السوء بالله تعالى، فحاشاه سبحانه أن يخلق الخلق ويبدع في تنظيم الكون دون غاية، {سبحانك ما خلقت هذا باطلا}..

وإذا كان الشاعر قال:

يُنادى في صبيحة كل يوم *** لدوا للموت وإبنوا للخراب

فإنه لا يعرض الصورة الكاملة.. نعم كل من على هذه الدنيا وما عليها فان، فهي لا تستحق أن تطلب لذاتها، ولكن البناء والذرية والأعمال كلها ستحضر يوم القيامة ليجزي الله الذين أساءوا لما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، قال تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} [الكهف:49].

عندما يتذكر المؤمن الموت، فإنه يزيل عن وجدانه هذا الثقل المتراكم من الغفلة، ويعيد الأمور إلى نصابها، فلا تعود الحياة الدنيا في عينه عظيمة، بل يضعها في حجمها الحقيقي، أو بالأحرى توصيفها الصحيح -مزرعة الآخرة-.. إنها دار إبتلاء.. ليس فرحها بدائم، ولا مصابها كذلك.. فلا يفقد صوابه أو تنهار أعصابه أمام إقبالها أو إدبارها.

¤ الموت دافع للعمل والفاعلية:

في أحد أهم كتب التنمية البشرية -العادات السبع للأشخاص الأكثر فاعلية- جعل الكاتب ستيفن كوفي العادة الثانية هي: ابدأ والغاية في ذهنك.. فيطلب من القاريء أن يتخيل لحظات موته، وكيف سيذكره الآخرون؟.. وكيف سيتكلمون عنه؟.. ويجعل من هذا التخيل إنطلاقًا لتحديد وجهته، فالأعمال التي يريد أن يذكره الناس بها هي الأعمال الأهم والجديرة بأن يمنح لها عمره.

ويؤكد الكاتب على أن الأشخاص الفاعلون هم الذين يبدأون والغايات في أذهانهم، فهذا هو الذي يضمن بقائهم في الطريق الصحيح لتحقيق أهدافهم.

والمؤمن عندما يتذكر الموت فإنه لا يفكر في الناس بقدر ما يفكر في نفسه وما هو مقبل عليه من تحديد مصيره الأبدي.. فيستحضر كيف أن هذه الدنيا بضجيجها وترهاتها وأحداثها سريعة الإنقضاء، ولن يبقى إلا العمل الصالح الذي أُريد به وجه الله.. فيصحح نيته، ويتزود من التقوى.

عندما يعيش الإنسان حياته والغاية في ذهنه، فإنه يعمل ويبني وينتج ويُخرج أفضل ما لديه من طاقات وأعمال، بينما نسيان الموت هو الذي يُسقط همته إلى أسفل سافلين.. فيجعل أفكاره وحدوده وطموحاته مرهونة بهذه الأرض، ومتعلقة بهموم الناس الضئيلة، يجعل غايته هي الملذات الحسية القريبة فقط.

إن ذكر الموت قد يحبط من ينحصر طموحه في حدود هذه السنوات القليلة الخاطفة من العمر القصير، ولكنه يفتح أمام المؤمن آفاقا للأمل الحقيقي.

¤ تصحيح الإدراك:

ذكر الموت يصحح إدراك الإنسان، فيعلم أن حياته الدنيا كساعة من نهار، وأن الخاسر من عمل لها ونسي التزود منها للحياة الحقيقية.. قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64].

ذكر الموت يحمي الإنسان مما حذر الله منه في قوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ*أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [يونس:8-7].

إن ذكر الموت يجعل المؤمن قويًا شجاعًا، لا يستصغر نفسه ويتمحور حول الأفكار والأعمال والمشكلات التافهة، ولا يعامل من حوله بمنطق أرضي مبني على الطمع والإستغلال، وإنما يُقدم لحياته في كل لحظة، فلا تستخفه الأفراح، ولا ييأس أمام المحن والصعاب.. فهو يعلم أن الموت لهذه الدنيا بحلوها ومرها نهاية.

الكاتب: مي عباس.

المصدر: موقع رسالة المرأة.